فصل: الخبر عن ثوار الأندلس آخر الدولة اللمتونية واستبداد بني مردنيش ببلنسية ومزاحمتهم لدولة بني عبد المؤمن من أولها إلى آخرها ومصاير أحوالهم وتصاريفها.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن ثوار الأندلس آخر الدولة اللمتونية واستبداد بني مردنيش ببلنسية ومزاحمتهم لدولة بني عبد المؤمن من أولها إلى آخرها ومصاير أحوالهم وتصاريفها.

لما شغل لمتونة بالعدو وبحرب الموحدين بعد عليهم الأندلس وعادت إلى الفرقة بعض الشيء فثار ببلنسية سنة سبع وثلاثين وخمسمائة القاضي مروان بن عبد الله بن مروان بن حضاب وخلعوه لثلاثة أشهر من ملكه ونزل بالمرية ثم حمل إلى ابن غانية بميورقة فسجن بها وثار بمرسية أبو جعفر أحمد بن عبد الرحمن بن ظاهر ثم خلع وقتل لأربعة أشهر من ولايته وولي حافد المستعين بن هود شهرين ثم ولي ابن عياض وبايع أهل بلنسية بعد ابن حضاب للأمير أبي محمد عبد الله بن سعيد بن مردنيش الجذامي وأقام مجاهدا إلى أن استشهد في بعض أيامه مع النصارى سنة أربعين وخمسمائة فبويع لعبد الله بن عياض كان ثائرا بمرسية كما قدمناه وهلك سنة اثنتين وأربعين فبويع إلى ابن أخيه محمد بن أحمد بن سعيد بن مردنيش وملك شاطبة ومدينة شقر ومرسية وكان إبراهيم بن همشك من قواده فعبث في أقطار الأندلس وأغار على قرطبة وتملك بها ثم استرجعت منه ثم غدر بغرناطة وملكها من أيدي الموحدين وحصرهم بالقصبة هو وابن مردنيش ثم استخلصها عبد المؤمن من أيديهم بعد حروب شديدة دارت بينهم بفحص غرناطة لقيه فيها ابن همشك وابن مردنيش وجيوش من أم النصرانية استعانوا بهم في المدافعة عن غرناطة فهزمهم عبد المؤمن وقتلهم أبرح قتل وحاصر يوسف بلنسية فخطب للخليفة العباسي المستنجد وكاتبه فكتب له بالعهد والولاية ثم بايع للموحدين سنة ست وستين وكان المظفر عيسى بن المنصور بن عبد العزيز الناصر بن أبي عامر عندما انصرف إلى ملك شاطبة ومرسية تغلب على بلنسية مدة ثم هلك سنة خمس وخمسين وخمسمائة ورجعت إلى ابن مردنيش وكان أحمد بن عيسى تغلب على حصن مزيلة ثائرا بالمرابطين من أتباعه فغلب منذر بن أبي وزير عليه فأجاز سنة أربعين وخمسمائة إلى عبد المؤمن ورغبه في ملك الأندلس فبعث معه البعوث وتغلبوا على بني غانية أمراء المرابطين بالأندلس وكان بميورقة أيضا منذ اضطراب أمر لمتونة محمد بن علي بن غانية المستوفي وليها سنة عشرين وخمسمائة واستشهد بها ورحل عنها سنة سبع وثلاثين إلى زيارة أخيه يحيى ببلنسية واستخلف على ميورقة عبد الله بن تيما فلما مكث ثار عليه ثوار فرجع محمد بن غانية وأصلح شأنها إلى أن هلك سنة سبع وستين وولي ابنه إبراهيم أبو إسحاق وتوفي سنة ثمانين وخمسمائة وولي بعده أخوه طلحة وبايع للموحدين سنة إحدى وثمانين وأوفد عليهم أهل ميورقة فبعثوا معهم علي بن الربرتبر فما وصل إلى ميورقة ثار على طلحة بنو أخيه أبي إسحاق وهم علي ويحيى ويعفر بن الربرتبر وخلعوا طلحة ثم بلغهم موت يوسف بن عبد المؤمن فخرجوا إلى أفريقية حسبما نذكر في أخبار دولتهم فانقرضت دولة المرابطين بالمغرب والأندلس وأدال الله منهم بالموحدين وقتلوهم في كل وجه واستفحل أمرهم بالأندلس واستعملوا فيها القرابة من بني عبد المؤمن وكانوا يسمونهم السادة واقتسموا ولايتها بينهم وأجاز يعقوب المنصور منهم غازيا بعد أن استقر أهل العدوة كافة من زناتة فأوقع العرب بابن أدفونش ملك الجلالقة بالأركه من نواحي بطليوس الوقعة المذكورة سنة إحدى وسبعين وخمسمائة وأجاز ابنه الناصر من بعده سنة تسع فمحص الله المسلمين واستشهد منهم عدة ثم تلاشت أمراء الموحدين من بعده وانتزى بالسادة بنواحي الأندلس في كل عمله وضعف بمراكش فصاروا إلى الاستجاشة بالطاغية بقص واستسلام حصون المسلمين إليه في ذلك فسمت رجالات الأندلس وأعقاب العرب من دولة الأموية وأجمعوا إخراجهم فثاروا بهم لحين وأخرجوهم وتولى كبر ذلك محمد بن يوسف بن هود الجذامي الثائر بالأندلس وقام ببلنسية زيان بن أبي الحملات مدافع بن يوسف بن سعد من أعقاب دولة بني مردنيش وثوار آخرون ثم خرج علي بن هود في دولته من أعقاب دولة العرب أيضا وأهل نسبهم محمد بن يوسف بن نصر المعروف بابن الأحمر وتلقب محمد هذا بالشيخ فحاربه أهل الجبل وكانت لكل منهما دولة أورثها بنيه فأما زيد بن مردنيش فكان مع عشرة من بني مردنيش رؤساء بلنسية واستظهر الموحدون على إمارتها ولما وليها السيد أبو زيد بن محمد بن أبي حفص بن عبد المؤمن بعد مهلك المستنصر كما نذكر في أخبارهم وذلك سنة عشرين وستمائة كان زيان هذا بطانته وصاحب أمره ثم انتقض عليه سنة ست وعشرين عندما بويع ابن هود بمرسية وخرج إلى أبده فخشيه السيد أبو زيد وبعث إليه يلاطفه في الرجوع فامتنع ولحق السيد أبو زيد بطاغية برشلونة ودخل في دين النصرانية أعاذنا الله من ذلك وملك زيان بلنسية واتصلت الفتنة بينه وبين ابن هود وخالف عليه بنو عمه عزيز بن يوسف بن سعد في جزيرة شقر وصاروا إلى طاعة ابن هود وزحف زيان للقائه على شريش فانهزم وتبعه ابن هود ونازله في بلنسية أياما وامتنعت عليه فأقلع وتكالب الطاغية على ثغور المسلمين ونازل صاحب برشلونة أنيشة وملكها وزحف زيان إليها بجميع من معه من المسلمين سنة أربع وثلاثين ونفر معه أهل شاطبة وجزيرة شقر فكانت عليهم الواقعة العظيمة التي استشهد فيها أبو الربيع سليمان وأخذ الناس في الانتقال عن بلنسية فبعث إليهم يحيى بن أبي زكريا صاحب أفريقية بالمدد من الأموال والأسلحة والطعام مع قريبه يحيى عندما نبذ دعوة بني عبد المؤمن وأوفد عليه أعيان بلنسية وهي محصورة فرجع إلى دانية ثم أخذ الطاغية بلنسية سنة ست وثلاثين وخرج زيان إلى جزيرة شقر وأقام بدعوة الأمير أبي زكريا وبعث إليه بيعتها مع كاتبه الحافظ أبي عبد الله محمد بن الأنباري فوصل إلى تونس وأنشده قصيدته المشهورة على روي السين بلغ فيها من الإجادة حيث شاء وهي معروفة وسيأتي ذكرها في دولة بني حفص بأفريقية من الموحدين ثم هلك ابن هود وانتقض أهل مرسية على ابنه أبي بكر الواثق وكان واليه بها أبو بكر بن خطاب فبعثوا إلى زيان واستدعوه فدخلها وانتهب قصرها وحملهم على البيعة للأمير أبي زكريا على ولاية شرق الأندلس كله وذلك سنة سبع وثلاثين ثم انتقض عليه ابن عصام بأريولة ولحق به قرابة زيان بمدينة لقنت فلم يزل بها إلى أن أخذها منه طاغية برشلونة سنة أربع وأربعين فأجاز إلى تونس وبها مات سنة ثمان وستين وأما ابن هود فسيأتي الخبر عن دولته وأما ابن الأحمر فلم تزل الدولة في أعقابه لهذا العهد ونحن ذاكرون أخبارهم لأنهم من بقايا دولة العرب والله خير الوارثين.